هل للمسابقات القرآنية فوائد؟
هل للمسابقات القرآنية فوائد؟
يكتبها: أسامة بن علي الغانم
مما
لاشك فيه أن لكل طريق من طرق الخير فوائد متعددة، تزيد بحسب تنوع عوائدها، وعظيم
منافعها.
ولما
كانت المسابقات القرآنية تلك متعلقة بكتاب الله تعالى؛ نالت من نفعه، ورفعته، وبركته وكان
للمتسابق فيها نصيب من ذلك –إن أحسن قصده-؛ مصداقاً لقول الله تعالى: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب} {ص:29}، قال ابن عطية (ت543)-رحمه
الله-: "ووصفه بالبركة؛ لأن أجمعها فيه؛ لأنه
يورث الجنة وينقذ من النار، ويحفظ المرء في حال الحياة الدنيا، ويكون سبب رفعة
شأنه في الحياة الآخرة".
ومن جملة تلك الفوائد:
1.
عيش
المتسابق مع كتاب الله تعالى، فتراه مردداً آياته، متأملاً معانيه متدبراً عجائبه، عاملاً بما فيه، لا يمَلُّ من
تكراره وتلاوته؛ فيزداد به جلالاً وجمالاً، ، كما قال الشاطبي (ت590)-رحمه الله-:
وخير جليس لا يُمَلّ حديثه وترداده يزداد فيه تجمّلا
قال
أبو شامة (ت665)-رحمه الله-: يزداد القارئ بالترداد تجملاً؛ لما يقتبس من فوائده،
وآدابه، وجزيل ثوابه".
ولا غرو في ذلك، فإن قلباً تُعرَض عليه الآيات غدواً وعشياً؛ لحري ألا يُشبع منه؛ إذ أحاطت به الطهارة من كل جوانبه، قال عثمان -رضي الله عنه-: "لو طهرت قلوبكم، ما شبعت من كلام ربكم".
ويقول
ابن القيم (ت751) –رحمه
الله-: "فالقلب
الطاهر، لكمال حياته ونوره وتخلصه من الأدران والخبائث، لا يشبع من القرآن، ولا
يتغذى إلا بحقائقه، ولا يتداوى إلا بأدويته".
2.
المسابقات
القرآنية طريق من طرق العلم الذي وُعد سالكه بالفوز العظيم، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
(ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً؛ سهّل الله له به طريقا إلى الجنة).
3.
المسابقات
القرآنية من أفضل الوسائل لضبط وإتقان حفظ كتاب الله تعالى، وذلك من خلال ما يستحثه
التنافس في نفس المتسابق من رغبة في التقدم على منافسه، من خلال ضبط محفوظه،
وإتقان ملفوظه، ثم إنه من أكبر مقاصد إقامة المسابقات القرآنية في جُلِّ المؤسسات.
4.
المسابقات
القرآنية أفضل وسيلة لتشجيع الشباب على الحفظ، فقد جاء ذلك في دراسة إحصائية
تحليلية، أجرتها الإدارة العامة للعلاقات العامة والاعلام في وزارة الشؤون الإسلامية
والدعوة والإرشاد، وشملت (62) متسابقا ومتسابقة في جائزة خادم الحرمين الشريفين
الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- في دورتها الخامسة .
5.
المسابقات
القرآنية أداة من أدوات اكتشاف القدرات والمواهب، التي تؤدي إلى التميز في التحصيل
العلمي، والازدياد منه؛ إذ إن غالب من يشارك في المسابقات هم من الحفاظ، وفي دراسة
إحصائية أجرتها وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد شملت أكثر من (86)
متسابقاً من المشاركين في الدورة الثامنة والعشرين لمسابقة الملك عبدالعزيز
الدولية لحفظ القرآن الكريم، والبالغ عددهم (171) حافظاً لكتاب الله تعالى من
مختلف قارات ودول العالم أن حفظ القرآن له دور كبير في زيادة التحصيل العلمي
والتفوق، حيث إن أكثر من 70٪ من الطلاب الذين بدأوا الحفظ في سن مبكرة متفوقون في
دراستهم، ويحصلون على المراكز الأولى في المدارس والجامعات وأن ما يزيد على 60٪ من
الحفظة يسلكون طريق التعليم الجامعي، بما في ذلك الكليات العلمية، ويتفوقون فيها، وكما جاء في نتائج اختبارات القدرات العامة
المركز الوطني للقياس على مستوى المملكة، أن طلاب وطالبات مدارس التحفيظ يحققون
المراكز الأولى في ذلك،
وقد علّق المركز على هذه النتائج فقال: "مدارس
تحفيظ القرآن تتصدر برامج الثانوية في اختبار القدرات العامة لأسباب أهمها: مخزون
القرآن اللغوي، والجدية في التعلّم".
6.
المسابقات
معينة على التواصل، والتعاون، وربط لأواصر المحبة في الله والالتقاء على مائدة
القرآن الكريم، سواء كان ذلك على مستوى المتسابقين، أو على مستوى الجهات والمؤسسات
المشاركة، من جمعيات أو دول، فيجتمع في
المسابقات القرآنية أهل القرآن، الذين هم خير الناس، هدياً، وسمتاً، وخلقاً –نحسبهم
كذلك-، فيتواصون ويتناصحون، ويتبادلون الخبرات، ويتعاونون على خدمة كتاب الله
تعالى وحملته؛ فيعودون بعد المسابقة
بالنفع العميم على الأمة كلها، كل حسب مجاله، وعمله، وهم بذلك مجتمعون على خير ما
يجتمع عليه، وهو كتاب الله تعالى الذي هو أعلى الذكر، وأعظمه، فعن أبي هريرة ،
وأبي سعيد الخدري - رضي الله عنهما - قالا
: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (لا يقعد قوم يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة ، وغشيتهم الرحمة ، ونزلت عليهم
السكينة ، وذكرهم الله فيمن عنده)،
قال النووي (ت676) –رحمه
الله-: "ويلحق
بالمسجد في تحصيل هذه الفضيلة : الاجتماع في مدرسة ورباط ، ونحوهما - إن شاء الله
تعالى -".
قال
القاضي عياض (ت544) –رحمه
الله-: "قد
يكون هذا الاجتماع للتعلم، بعضهم من بعض".
7. المسابقات القرآنية تسهم في إعداد جيل صالح، متخلق بأخلاق القرآن متزود بآدابه، مهتد بهديه، مستجيب له، متحصن من كل شبهة، مترفع عن كل شهوة، حاله كحال من سبقه من أئمة الهدى، من الصحابة الكرام، ومن تبعهم بإحسان، الذين صلحوا بهذا القرآن، والحال في ذلك كما قال الإمام مالك (ت179) –رحمه الله-: "ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها".
8.
المسابقات
القرآنية تعمر أوقات المسلم بما يعود عليه بالنفع في الدنيا والآخرة، ففي الدنيا
تتجلل حياته بالذكر الذي هو مصدر الطُمأنينة يقول تعالى: {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب} {الرعد:28}،
وذلك أن القلوب حين
تعرف معاني القرآن، وأحكامه؛ تطمئن لها، فإنها تدل على الحق المبين المؤيد بالأدلة
والبراهين، وبذلك تطمئن القلوب، فإنها لا تطمئن القلوب إلا باليقين والعلم، وذلك
في كتاب الله، مضمون على أتم الوجوه وأكملها وأما ما سواه من الكتب التي لا ترجع
إليه فلا تطمئن بها، بل لا تزال قلقة من تعارض الأدلة وتضاد الأحكام {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً}{النساء:82}،
وهذا إنما يعرفه من خبر كتاب الله وتدبره، وتدبر غيره من أنواع العلوم؛ فإنه يجد
بينها وبينه فرقاً عظيماً.
وبهذا يكون القرآن للمتسابق دافعاً
للطاعات وما يزينه، حاجزاً عن المعاصي وما يشينه،
فتكون حاله صالحة على الدوام، قال ابن تيمية (ت728) –رحمه
الله-: "الإنسان
إذا قرأ القرآن وتدبره؛ كان ذلك من أقوى الأسباب المانعة له من المعاصي، أو بعضها"،
وقال –رحمه
الله-: "والذكر
الذي يحدثه القرآن، ومن الخشية المانعة من اتباع الهوى؛ سبب لصلاح حال الإنسان".
وأما
في الآخرة فهو في سلامة وطمأنينة منذ قيامه من قبره إلى دخول الجنة –نسأل
الله الكريم من فضله-، فعن بريدة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (وإن القرآن يلقى
صاحبه يوم القيامة حين ينشق عنه قبره كالرجل الشاحب، فيقول له: هل تعرفني؟ فيقول:
ما أعرفك، فيقول: أنا صاحبك القرآن الذي أظمأتك في الهواجر، وأسهرت ليلك، وإن كل
تاجر من وراء تجارته وإنك اليوم من وراء كل تجارة، فيعطى الملك بيمينه، والخلد
بشماله ويوضع على رأسه تاج الوقار، ويكسى والداه حلتين لا يقوم لهما أهل الدنيا، فيقولان:
بم كسينا هذا ؟ فيقال: بأخذ ولدكما القرآن، ثم يقال له: اقرأ واصعد في درج الجنة وغرفها، فهو في صعود ما دام يقرأ، هذّا
كان أو ترتيلا).
9.
المسابقات
القرآنية باب من أبواب التدرج في علم الإقراء، والبدء للتعلم بين يدي المشايخ
المقرئين، وذلك من خلال ما يستعين به المتسابق على تحقيق المهارة بكتاب الله تعالى
عن طريق الجلوس بين يدي القراء المتقنين والمقرئين المحققين؛ ليقيموا لفظه،
ويوقفوه على لحنه، جليّه، وخفيّه.
10.
المسابقات
القرآنية درجة من درجات سلم الارتقاء بالأداء القرآني فيرتقي المتسابق درجة إثر
درجة في معراج المهارة القرآنية، ويمهر بكتاب الله تعالى، حفظاً، وتلاوة، وأداء، فهو
ينتقل مع شيخه من مهارة لأخرى كلما جوّد مهارة وأتقنها؛ انتقل للتي تليها، حتى
يظفر بالمهارات الأساسية التي تجعله في مصاف المهرة، ومع السفرة الكرام البررة، كما
روته أم المؤمنين عائشة –رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
(الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة)،
قال ابن بطّال (ت449) –رحمه
الله-: "قال
المهلب: المهارة بالقرآن: جودة التلاوة له بجودة الحفظ فلا يتلعثم في قراءته، ولا
يتغير لسانه بتشكك في حرف، أو قصة مختلفةِ النصِ، وتكون قراءته سمحة بتيسير الله
له، كما يسّره على الملائكة الكرام البررة، فهو معها في مثل حالها من الحفظ،
وتيسير التلاوة، وفى درجة الأجر -إن شاء الله-، فيكون بالمهارة عنده كريماً براً"(.
قال
ابن حجر (ت852) –رحمه
الله-: "والمراد
بالمهارة بالقرآن: جودة الحفظ، وجودة التلاوة من غير تردد فيه؛ لكونه يسره الله
تعالى عليه كما يسره على الملائكة، فكان مثلها في الحفظ والدرجة".
وبعد:
فهذه الفوائد ليست على سبيل الحصر والاستقصاء، وإنما هي إشارة وإيماء والله الموفق
أن يسلك بنا سبيل أهل طاعته، وأن يجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهله وخاصته.
تعليقات
إرسال تعليق